فوربس 30 تحت الـ 30، الصراع بين السعي وراء الغاية وشوط البقرة!

وجهة نظري البسيطة الجوائز المربوطة بعمر تحقيق الشخص لها تثير الاشمئزاز وليس النجاح. وهذا الأمر عزيزي القارئ، لا ينتبه له إلا ثلاثيني جاد فاته قطار هذه الجوائز!

قد تبدو هذه الفكرة مبالغ فيها، لكن حين اتأمل اجد أن وراء هذه الجوائز ضغط نفسي رهيب، يدفع الشباب إلى سباق وهمي مع الزمن لتحقيق نجاحات كبيرة في سن مبكرة، وهي ظاهرة يغذيها الإعلام والمجتمع بشكل مفرط. يصبح النجاح بمثابة معيار يتم الحكم من خلاله على الشخص، ما يجعل الشباب يتعرضون للمقارنة المستمرة مع أقرانهم ومع الشخصيات العامة التي تعرض كرموز للنجاح السريع. هذا يؤدي إلى شعور دائم بعدم الكفاية، بغض النظر عن الإنجازات الفردية التي قد يحققها الشخص، ليظهر السباق الوهمي على هيئة جوائز مثل "فوربس 30 تحت الـ 30".

المقارنة: أصل الشرور

المقارنة ليست مجرد أداة للتقييم، بل هي سبب رئيسي للشعور بالنقص والتوتر. حين يرى الشاب زملاءه يحصلون على هذه الجوائز، فإنها تخلق لديه شعورًا بأنه لم يحقق ما يكفي، حتى وإن كان يسير على الطريق الصحيح. هذه المقارنات قد تضع على الاشخاص ضغط نفسي، وتجعلهم يشعرون بأنهم في سباق دائم مع الوقت، حيث يُصبح الهدف هو تحقيق إنجازات سريعة بدلًا من تحقيق إنجازات ذات معنى.

يتوقع المجتمع أن تكون حياة الشخص المهنية واضحة ومحددة من وقت مبكر، لكن الواقع يقول إن الحصول على مسار مهني مُرضٍ هو عملية طويلة وغير خطية (Not linear). هناك فترات من التقدم وأخرى من التراجع، وقد يتطلب الأمر بعض التجارب والخبرات حتى يتمكن الشخص من تحديد مساره المهني الحقيقي. الاستمرار في تطوير المهارات والخبرات هو المفتاح، ومن الممكن أن يكتشف المسار الصحيح بعد سنوات من التجربة. من الضروري أيضًا أن نُدرك أن رحلة كل شخص مختلفة عن الآخر، وما يصلح لأحد قد لا يصلح للآخر. تجارب الآخرين قد تكون مصدر إلهام، لكنها ليست بالضرورة طريقًا يجب اتباعه.

تأثير توقعات الوالدين على نجاح الأبناء

تشير الدراسات إلى أن توقعات الوالدين تلعب دورًا مهمًا في تحديد نجاح الطفل اكاديمياً. ومع ذلك، فإن التوقعات المفرطة قد تؤدي إلى نتائج عكسية. فقد أظهرت الأبحاث أن الأطفال الذين يتعرضون لضغط كبير من والديهم لتحقيق إنجازات عالية قد يعانون من مستويات أعلى من التوتر والقلق، مما قد يؤثر سلبًا على أدائهم الأكاديمي.

دراسة نشرت في مجلة "Journal of Child and Family Studies" في أكتوبر 2024 تناولت العلاقة بين ضغط الوالدين لتحقيق الإنجازات والتوتر الأكاديمي لدى الطلاب. وجدت الدراسة أن الضغط الزائد من الوالدين يرتبط بزيادة التوتر الأكاديمي، والذي بدوره يؤثر سلبًا على رضا الطلاب عن حياتهم وأدائهم الدراسي.

لذلك، من المهم أن يتبنى الوالدين نهجًا داعمًا ومتوازنًا في توقعاتهم، بما يتيح للأبناء فرصة النمو والتطور وفقًا لقدراتهم واهتماماتهم الفردية.

الاطفال بالتوقعات الاقل من الوالدين غالباً ما يحققون نجاحات أكبر من الاطفال بالتوقعات الاعلى

التصريح اعلاه جدعنه ورأي شخصي، ولا يستند لأي دراسة!

الأربعون سنة: بعثة الأنبياء

أغلب الأنبياء بُعثوا في سن الأربعين، وهو العمر الذي وصفه القرآن الكريم ببلوغ الأشد: "حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً" (الأحقاف: 15). هذه الإشارة القرآنية تؤكد أن النضج والخبرة التي تأتي مع التقدم في العمر يمكن أن تكون عوامل أساسية لتحقيق إنجازات أكبر وأعمق تأثيراً.

التركيز المفرط على الإنجازات المبكرة يحجب هذه الحقيقة، حيث يشعر الشباب وكأنهم فقدوا فرصتهم إذا لم يتمكنوا من تحقيق إنجازات كبرى قبل سن الثلاثين. حيث على الشخص أن يسعى للنضج الشخصي والمهني بغض النظر عن العمر. الإنجازات الحقيقية ليست دائمًا مرتبطة بالجوائز أو الاعترافات من المجتمع، بل قد تكون مرتبطة بالتأثير الإيجابي الذي يُحدثه الشخص في محيطه أو في تحسين مهاراته وقدراته. النجاح يمكن أن يتجلى بطرق مختلفة، وقد يأتي في مراحل مختلفة من الحياة.

تأثير الفشل المبكر على النفس

أحد أهم الدروس التي يمكن تعلمها هو تطوير مهارات التعامل مع المشاعر والضغوط الناتجة عن التوقعات المجتمعية والجوائز المرتبطة بالعمر. يجب على الشباب أن يتعلموا كيفية تجاهل الجداول الزمنية التعسفية المفروضة مجتمعياً، وأن يُدركوا أن هناك أشكالًا متعددة للنجاح وأن الإنجازات التي تحمل معنى لا ترتبط دائمًا بالعمر. لذلك من الضروري التركيز على رحلة النمو الشخصي والمعرفي بدلًا من الوقوف عند محطة معينة ومحاولة إثبات النجاح فيها.

الشباب الذين يسعون لتحقيق إنجازات كبرى في وقت قصير قد يواجهون إحباطات وصدمات عندما لا تتحقق هذه الأهداف في الإطار الزمني الذي حددوه لأنفسهم. هذه الإحباطات يمكن أن تؤدي إلى شعور بالفشل. من المهم أن يتقبل الشخص الفشل كجزء طبيعي من رحلته، وأن يتعلم كيف يواجه التحديات ويستفيد منها في تحسين قدراته وتطوير نفسه. الفشل جزء رئيسي من عملية النمو والتعلم.

الحياة ماراثون وليست سباق 100 متر

الإنجازات الكبرى تتطلب وقت وتراكم للخبرات، ولا يمكن قياسها فقط من خلال النجاحات السريعة التي قد تتحقق في مراحل عمرية مبكرة. من الضروري أن يدرك الأشخاص أن النجاح لا يأتي بالضرورة في العشرينات أو الثلاثينات، بل يمكن أن يتحقق في أي مرحلة من الحياة. مثل ما يحتاج الماراثون إلى استعداد نفس طويل، فإن الأهداف الكبرى تتطلب صبر وجهد مستمر واستثمار في تطوير الشخص لقدراته ومهاراته. هذا الإدراك يخفف من الضغوط المرتبطة بتوقعات المجتمع، ويساعد الأشخاص على التركيز على النمو التدريجي بدلًا من اللهاث وراء نجاحات سريعة قد تكون عابرة.

علينا أن نتوقف عن مقارنة أنفسنا بالآخرين وفق معايير زمنية محددة، وأن نتذكر أن لكل شخص طريقته الخاصة في تحقيق النجاح. الجوائز المرتبطة بالعمر قد تكون دافع، لكنها لا يجب أن تحدد معنى النجاح أو قيمته. النجاح الحقيقي يُقاس بالتأثير الإيجابي الذي نحدثه في حياتنا وحياة الآخرين، وليس بعدد الجوائز أو بالعمر الذي تُحقق فيه.


مصادر لطيفة:

بودكاست غلاف مقابلة الصديق ريان الفهيد (العمل الهادئ: قوة البطء في زمن السرعة)

تيد توك بعنوان (Life is easy. Why do we make it so hard)

مقال (To Live A Life Without Regrets — Hurry But Don’t Rush) زبدة المقال العبارة هذي 

The idea isn’t to start something so you can finish. It’s to start something you never want to finish.

مقال (The Dangers of Early Success, Self-Sabotage & Overexcitement)

حياةعمل
حياة بسيطة مع زياد
حياة بسيطة مع زياد

مواضيع حول الحياة والعلاقات والعمل، لحياة بسيطة بدون تعقيدات