متلازمة المحتال: الوجه الآخر للوعي!
وجهة نظري البسيطة شعورك بعدم الكفاءة "كفاءة"!

في زيارتي الأخيرة إلى مدينة لندن قابلت المؤسس لإحدى شركات التقنية المالية أحادية القرن "Fintech Unicorn" وتناقشنا في مواضيع عدة حول عوامل نجاح الشركة وأسبابها، وقد كان السبب الرئيسي والوحيد بوجهة نظره هو عامل توقيت إطلاق الشركة.
نعم، عامل التوقيت مهم جدًا لكني لاحظت وجود صوت خافت في حديثه، يقلل من مقدار نجاحه وإنجازاته وقدراته الحالية والواعدة وهذا — في رأيي — هو تعريف متلازمة المحتال؛ وهو ربط النجاح بعامل واحد غالبًا ما يكون مؤثر خارجي لكي لا يُربط النجاح بجهد شخصي.
أنا لا أغفل عامل الوقت إطلاقًا، لكني أعرف المؤسس شخصيًا وأدرك تمامً مقدار الجهد والتعب الذي مر به خلال السبع سنوات الماضية ومتأكد أنها كانت عامل أساسي لنجاح الشركة بالإضافة لعامل التوقيت وحجم القطاع الذي تعمل به الشركة وعوامل أُخرى.
يقول الإمام الشافعي ما يلخص جوهر التواضع العلمي:
كلّما أدّبني الدهرُ أراني نقصَ عقلي
وإذا ما ازددتُ علمًا زادني علمًا بجهلي
متلازمة المحتال هي شعور بضعف الثقة بالنفس، وإحساس متزايد بأن النجاحات غير حقيقية أو غير مستحقة، أو أنها كانت محض صدفة أو حظ. وغالبًا ما يشعر المصابون بهذه المتلازمة بأنهم ليسوا أكفاء أو أذكياء كما يعتقد الآخرون.
ومن المفارقات أن من عايشتهم بهذه المتلازمة كانوا من أنبغ العقول التي قابلتها. وأرى أن السبب في ذلك يعود غالبًا إلى وجودهم في أدنى منحنى "تأثير دانينغ–كروجر" (Dunning–Kruger Effect)، مما يمنحهم فرصًا عظيمة للتقدم السريع على هذا المنحنى.

يُذكّرني هذا بتشبيه الكاتبة أماندا بالمير في كتابها The Art of Asking:
"شرطة الاحتيال" (The Fraud Police) هي قوة خيالية في رأس عدد من البالغين — على مستوى لا واعٍ — تجعلهم يتخيلون أن "شرطة الاحتيال" ستطرق بابهم في منتصف الليل قائلين: لقد كنا نراقبك، ولدينا أدلة تثبت أنك لا تعرف ما الذي تفعله. أنت متهم بالاحتيال، لاختلاقك أمور تتدعي أنك تعرفها. لا تستحق وظيفتك ولاتستحق انجازاتك، سنأخذ كل شيء منك وسنُخبر الجميع."
كما أوضحت الدكتورة فاليري يونغ — الشريك المؤسس لـ "معهد متلازمة المحتال" (Impostor Syndrome Institute) — أن للمتلازمة أشكالًا متعددة، وأن سلوك من يعانون منها يختلف باختلاف طبيعة أفكارهم عن أنفسهم.
وعلى الرغم من تسميتها "متلازمة" — أي أنها تلازم صاحبها — فإن بإمكاننا التعامل معها والتغلب عليها في معظم المواقف. وهذه خمس أفكار بسيطة ساعدتني على مواجهة متلازمة المحتال:
﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ (سورة يوسف، الآية 76): تذكّر دائمًا أن هناك من هو أعلم منك، وأكثر خبرة وذكاءً. تقبّل ذلك ببساطة.
كلنا بشر: لكلٍّ منا نقاط قوة وضعف. فلا داعي للقلق عند مواجهة نقطة ضعف أو بعض الظروف الصعبة. فذلك لا يمس شخصك، إنه فقط جزء من إنسانيتك. فقط تابع نقاط ضعفك، وحاول تطويرها خطوة بخطوة.
كلنا يحتاج إلى التعلم والتطور بشكل دائم: ابقَ دائمًا على إطلاع بآخر الأخبار والتحديثات التي تخص مجالك، فذلك يقلل من عنصر المفاجأة بأن هناك جديدًا لا تعرفه، وبالتالي يقلل من أعراض المتلازمة.
طلب المساعدة ليس ضعفًا: لا تتردد في طلب المساعدة، سواء من صديق، أو خبير، أو معالج نفسي عند الحاجة. اربط ذلك بسمو هدفك وليس بشخصك.
كلنا دلوخ في موقف معين: هل سبق وأن ممرت بموقف شعرت فيه انك "دلخ"، وشلون سويت كذا؟ وشلون ما فكرت فيها بهذه الطريقة؟ تصالح مع دلاختك، كلنا دلوخ من فترة لفترة. دلاختك جزء من الرحلة.
وأخيرًا…
القليل من ذلك الصوت الخفي - وبكل صراحة - له فوائد عديدة. قد يدفعك إلى التعلُّم، أو يدفعك لتوسيع أفقك، لتدرك أنك لا تزال تجهل الكثير. وهذا في جوهره هو نقيض تأثير دانينغ–كروجر، الذي يتّسم أحيانًا بالغرور المبني على جهل.
وعندما تسمع ذلك الصوت، فاعلم أن التحدي ليس فقط في ألا تدعه يعيقك عن التقدم، بل في أن تعي أن متلازمة المحتال يمكن أن تكون فرصة لاكتشاف الذات، وصقل المهارات، والعثور على المتعة في كل مرحلة من الرحلة.
وإن سمعت ذلك الصوت مرّة أو مرات... فثق أنك على الطريق الصحيح — أو على الأقل قد بدأت السير فيه. فقط تعلّم كيف تتعامل معه.
مصادر لطيفة:
تيد توك بعنوان (How you can use impostor syndrome to your benefit)
مقال صحيفة نيويوركر بعنوان (Why Everyone Feels Like They're Faking It)
مقال هارفرد بزنس ريفيو (Overcoming Imposter Syndrome: Our Favorite Reads)
بودكاست وفي أنفُسكم (عدوى متلازمة المحتال) تقدر تسمعها على راديو ثمانية

مواضيع حول الحياة والعلاقات والعمل، لحياة بسيطة بدون تعقيدات